بعض
المراهقين السياسيين، الذين ابتلى الله بهم مصر، يدمنون التخبط
والعشوائية، ولا يعرفون شيئًا عن ثوابت الأمن القومي المصري، التي تتجاوز،
أو ينبغي أن تتجاوز، كل انتماء أيديولوجي أو اختلاف سياسي.
يتحدث
هؤلاء الأدعياء عن المخابرات العامة المصرية بقدر كبير من الاستخفاف
والجهل، ويتصورون أنها مجرد إدارة حكومية ثانوية، يمكن أن تخضع لنظرية
التمكين والأخونة، ولأنهم لا يقرأون، وإذا قرأوا لا يفهمون، فإنهم لا
يتورعون عن إطلاق التصريحات العنترية غير المتزنة، واثقين من أنهم فوق
المساءلة القانونية، بعد أن انهارت دولة القانون في ظل الهيمنة العشائرية
التي تنتصر لأهل الثقة ممن يخضعون لقاعدة السمع والطاعة.
السيد
أبو العلا ماضي، رئيس حزب الوسط، ينقل عن الرئيس محمد مرسي تأكيده بان
المخابرات العامة أنشأت تنظيمًا يضم 300 ألف بلطجي!. المثير للدهشة أن
أحدًا لم يتحرك لمواجهة الادعاء المهين الذي يطول جهازًا وطنيًا عملاقًا،
لا عمل له إلا الدفاع عن الوطن ومواجهة التحديات التي يتعرض لها. إما أن
يكون أبو العلا كاذبًا فيما يدعيه، فلابد من التحقيق معه في الزعم الكارثي،
وإما أن يكون صادقًا، فتنتقل أصابع الاتهام إلى الرئيس نفسه.
في السطور التالية، نستعرض سطورًا من تاريخ المخابرات العامة المصرية، فربما يعلم الذين لا يعلمون.
- البداية:
بعد
شهور قليلة من ثورة 23 يوليو 1952، بدأ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في
تأسيس الجهاز الحيوي الذي لم يكن له وجود قبل الثورة، وفي العام 1954 صدر
القرار الرسمي بإنشاء "المخابرات العامة"، وتولى زكريا محي الدين مهمة
الانطلاق، ثم جاء بعده علي صبري، ووصل الجهاز الوليد إلى ذروة النجاح
والقوة بعد أن صعد إلى رئاسته صلاح نصر.
قد
لا يروق اسم صلاح للكثيرين، وقد يقترن العمل الداخلي للجهاز ببعض
التجاوزات، لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها تتمثل في الدور الخطير
للمخابرات دفاعًا عن الأمن القومي، وتصديًا للمؤامرات الصهيونية
والأمريكية.
النفقات
الباهظة للجهاز، الذي تمتد عملياته إلى أرجاء العالم كافة، هي التي دفعت
السيد صلاح نصر إلى إنشاء شركة النصر للاستيراد والتصدير، ستارًا لأعمال
المخابرات ومصدرًا للتمويل، وفي هذا الإطار ظهرت شركات أخرى مماثلة، تعمل
في مجالات المقاولات والسياحة، وتخضع لإدارة حازمة بإشراف مباشر من رئيس
الجمهورية.
خلال
السنوات الستين السابقة، توالى على رئاسة الجهاز الوطن عدد من أبرز رجالات
مصر المخلصين، أدى كل منهم دوره كما ينبغي، وفي الجدول التالي تسجيل لابد
من الوعي به لهؤلاء الذين تفانوا في الدفاع عن مصر وحماية أمنها، قبل أن
نُبتلي بمن يخلطون الأوراق ويدمنون التصريحات العبثية.
م
|
رئيس الجهاز
|
من
|
إلى
|
1.
|
زكريا محيي الدين
|
1954
|
1956
|
2.
|
علي صبري
|
1956
|
1957
|
3.
|
صلاح نصر
|
1957
|
1967
|
4.
|
أمين هويدي
|
1967
|
1970
|
5.
|
محمد حافظ إسماعيل
|
1970
|
1970
|
6.
|
أحمد كامل
|
1970
|
1971
|
7.
|
أحمد إسماعيل علي
|
1971
|
1973
|
8.
|
أحمد عبد السلام توفيق
|
1973
|
1975
|
9.
|
كمال حسن علي
|
1975
|
1978
|
10.
|
محمد سعيد الماحي
|
1978
|
1981
|
11.
|
محمد فؤاد نصار
|
1981
|
1983
|
12.
|
رفعت جبريل
|
1983
|
1986
|
13.
|
أمين نمر
|
1986
|
1989
|
14.
|
عمر نجم
|
1989
|
1991
|
15.
|
نور الدين عفيفي
|
1991
|
1993
|
16.
|
عمر سليمان
|
1993
|
2011
|
17.
|
مراد موافي
|
2011
|
2012
|
18.
|
محمد رأفت شحاته
|
2012
|
مازال
|
- بطولات وإنجازات:
عبر
تاريخه الطويل، قام جهاز المخابرات العامة المصرية بعمليات ناجحة بالغة
الإتقان، ومن ذلك ما نجده في الكشف عن فضيحة لافون، حيث نجح رجال المخابرات
في إفساد عملية سرية إسرائيلية عرفت بـ"عملية سوزان"، وتهدف إلى تفجير
أهداف مصرية وأجنبية في القاهرة، وأشرف عليها وزير الدفاع الإسرائيلي بنحاس
لافون.
استطاع
الجهاز الوليد أن يجهض العملية التخريبية، وألقي القبض على المتورطين في
تنفيذها، وصدرت الأحكام الرادعة في ديسمبر 1954: الإعدام لموسى ليتو مرزوق
وصمويل عازار، والأشغال الشاقة المؤبدة لكل من فيكتور ليفي وفيليب هرمان
ناتاسون، والأشغال الشاقة لمدة 15 سنة بحق فيكتورين نينو وروبير نسيم،
والأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات لمائير يوسف زعفران وماير صمويل.
كانت
ضربة لافون موجعة للعدو الإسرائيلي، وأدركوا بعدها أن مصر ليست باللقمة
السائغة التي يسهل هضمها، وتأكد ذلك بعشرات العمليات الناجحة، التي تتراوح
بين زرع رجال المخابرات المصرية في العمق الإسرائيلي والكشف عن عملاء
الموساد في الداخل والخارج.
- مغزى الصراع
التصريح
الذي أدلى به أبو العلا ماضي، منسوبًا إلى الرئيس محمد مرسي، يكشف عن عمق
الصراع بين مؤسسة الرئاسة وجهاز المخابرات العامة. الجهاز المحترم المحترف،
المشهود له بالكفاءة والتخطيط العلمي، لا يمكن أن يتورط مع بلطجية لا
يدينون بالولاء إلا لمن يدفع لهم، ولا تحركهم دوافع وطنية أصيلة، فهم
مرتزقة بلا مبدأ.
المثير
للدهشة أن الجهاز الوطني المحترم تابع لرئيس الجمهورية، فأي منطق في أن
يشكو الرئيس من مرءوسيه؟! وإذا كان الدكتور محمد مرسي يملك دليلاً على
تجنيد هذا العدد الضخم من البلطجية، فلماذا لا يقدم الأدلة ويتخذ قرارات
حاسمة بحق من ينتهجون سلوكًا ضارًا لا يمكن تبريره؟ الرئاسة لا تعلق، كأن
الأمر لا يعنيها، ولا تفسير لهذه البالونات الساذجة إلا التمهيد لهدم
المؤسسة المخابراتية العملاقة، كجزء من مسلسل هدم الدولة، وصولاً إلى
الأخونة وإعادة الهيكلة بالاعتماد على أهل الثقة ممن يدينون بالولاء
للجماعة وحدها.
لا
يمكن الفصل بين تصريحات أبو العلا ومأساة رفح، حيث استشهاد الجنود
المصريين في رمضان، فالجهاز الوطني يعمل بجدية لإدانة من يستحقون الإدانة،
وهؤلاء أنفسهم ينتمون للجماعة أو يتحالفون معها، فكيف يتعرضون للعقاب
الرادع؟! لابد من إغلاق الملف والمراهنة على النسيان، وكأن أرواح جنودنا لا
تستحق أن تحظى بالراحة بعد القصاص.
- شهادات
يطول
الحديث عن تاريخ جهاز المخابرات العامة المصرية، وقد يكون مفيدًا هنا أن
نشير إلى بعض الأعمال الفنية التي عبرت عن الدور الوطني في أفلام ومسلسلات
جماهيرية ناجحة، منها على سبيل المثال:مسلسلات (رأفت
الهجان- دموع في عيون وقـحة- و حلقت الطيور نحو الشرق- وادي فيران- العميل
1001- السقوط في بئر سبـع- حرب الجـواسـيـس- الـثعلب- الحفار- فرقة ناجي
عطاالله -عابد كرمان- الصفعة) و أفلام (الصعود إلـى الهاويـة- إعدام ميت-
الجاسوس- مهمة في تل ابيب- ولاد العم- بئر الخيانة- الكافير)
الفيلم التسجيلي "كلمة وطن"، عن تاريخ جهاز المخابرات:
0 التعليقات:
إرسال تعليق